فصل: قريش تتشاور في أمره عليه الصلاة و السلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


المجلد الثالث

‏‏ [‏‏تابع‏‏:‏‏ منازل المهاجرين بالمدينة‏‏]‏‏

 منزل مصعب بن عمير

ونزل مصعب بن عمير بن هاشم ، أخو بني عبدالدار على سعد بن معاذ بن النعمان ، أخي بني عبدالأشهل ، في دار بني عبدالأشهل ‏‏.‏‏

 منزل أبي حذيفة

ونزل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسالم مولى أبي حذيفة -

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ سالم مولى أبي حذيفة سائبة ، لِثُبَيتَة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، سَيَّبَتْه فانقطع إلى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة فتبناه ، فقيل ‏‏:‏‏ سالم مولى أبي حذيفة ‏‏.‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ كانت ثُبيتة بنت يعار تحت أبي حذيفة بن عتبة ، فأعتقت سالما سائبة ‏‏.‏‏ فقيل ‏‏:‏‏ سالم مولى أبي حذيفة -

 منزل عتبة بن غزوان

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ونزل عتبة بن غزوان بن جابر على عباد بن بشر بن وقش أخي بني عبدالأشهل ، في دار عبدالأشهل ‏‏.‏‏

 منزل عثمان بن عفان

ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت بن المنذر ، أخي حسان بن ثابت في دار بني النجار ، فلذلك كان حسان يحب عثمان ويبكيه حين قتل ‏‏.‏‏

وكان يقال ‏‏:‏‏ نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة ، وذلك أنه كان عزبا ، فالله أعلم أي ذلك كان ‏‏.‏‏

 هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 سبب تأخر أبي بكر وعلي في الهجرة

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤذن له في الهجرة ، ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاحرين إلا من حُبس أو فتن ، إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا ، فيطمع أبو بكر أن يكونه ‏‏.‏‏

 قريش تتشاور في أمره عليه الصلاة و السلام

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم ، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة ، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم ‏‏.‏‏ فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين خافوه ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبدالله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج ، وغيره ممن لا أتهم ، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال ‏‏:‏‏ لما أجمعوا لذلك ، واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له ، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة ، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه بتلة ، فوقف على باب الدار ، فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا ‏‏:‏‏ من الشيخ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له ، فحضر معكم ليسمع ما تقولون ، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا ‏‏:‏‏ أجل ، فادخل ، فدخل معهم ، وقد اجتمع فيها أشراف قريش ؛ من بني عبد شمس ‏‏:‏‏ عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ‏‏.‏‏ ومن بني نوفل بن عبد مناف ‏‏:‏‏ طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل ‏‏.‏‏ ومن بني عبدالدار بن قصي ‏‏:‏‏ النضر بن الحارث بن كلدة ‏‏.‏‏ ومن بني أسد بن عبدالعزى ‏‏:‏‏ أبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود بن المطلب ، وحكيم بن حزام ‏‏.‏‏ ومن بني مخزوم ‏‏:‏‏ أبو جهل بن هشام ‏‏.‏‏ ومن بني سهم ‏‏:‏‏ نُبيه ومنبَّه ابنا الحجاج ، ومن بني جمح ‏‏:‏‏ أمية بن ‏خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش ‏‏.‏‏

فقال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم ‏‏:‏‏ احبسوه في الحديد ، وأغلقوا عليه بابا ، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله ، زهيرا والنابغة ، ومن مضى منهم ، من هذا الموت ، حتى يصيبه ما أصابهم ‏‏.‏‏

فقال الشيخ النجدي ‏‏:‏‏ لا والله ، ما هذا لكم برأي ‏‏.‏‏ والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم ، فينزعوه من أيديكم ، ثم يكاثروكم به ، حتى يغلبوكم على أمركم ، ما هذا لكم برأي ، فانظروا في غيره ‏‏.‏‏

فتشاوروا ‏‏.‏‏ ثم قال قائل منهم ‏‏:‏‏ نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ، فإذا أُخرج عنا ، فوالله ما نبالي أين ذهب ، ولا حيث وقع ، إذا غاب عنا وفرغنا منه ، فأصلحنا أمرنا وأُلْفتنا كما كانت ‏‏.‏‏

فقال الشيخ النجدي ‏‏:‏‏ لا والله ، ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حُسْن حديثه ، وحلاوة منطقه ، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم ، فيأخذ أمركم من أيديكم ، ثم يفعل بكم ما أراد ، دبروا فيه رأيا غير هذا ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقال أبو جهل بن هشام ‏‏:‏‏ والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد ؛ قالوا ‏‏:‏‏ وما هو يا أبا الحكم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يعمدوا إليه ، فيضربوه بها ضربة رجل واحد ، فيقتلوه ، فنستريح منه ‏‏.‏‏ فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعَقْل ، فعقلناه لهم ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فقال الشيخ النجدي ‏‏:‏‏ القول ما قال الرجل ، هذا الرأي الذي لا رأي غيره ، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له ‏‏.‏‏

 خروج النبي صلى الله عليه وسلم و استخلافه عليا على فراشه

فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ لا تَبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام ، فيثبون عليه ؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم ، قال لعلي بن أبي طالب ‏‏:‏‏ نم على فراشي وتسجّ بِبُردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم فيه ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال ‏‏:‏‏ لما اجتمعوا له ، وفيهم أبو جهل بن هشام ، فقال وهم على بابه ‏‏:‏‏ إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره ، كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بُعثتم من بعد موتكم ، فجُعلت لكم جنان كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ، ثم بُعثتم من بعد موتكم ، ثم جعلت لكم نار تحُرقون فيها ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال ‏‏:‏‏ أنا أقول ذلك ، أنت أحدهم ‏‏.‏‏ وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه ، فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يس والقرآن الحكيم ‏‏.‏‏ إنك لمن المرسلين ‏‏.‏‏ على ‏ صراط مستقيم ‏‏.‏‏ تنزيل العزيز الرحيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فأغشيناهم فهم لا يبصرون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ، ولم يبق منهم رجل إلا و قد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم ، فقال ‏‏:‏‏ ما تنتظرون ها هنا ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ محمدا ؛ قال ‏‏:‏‏ خيبكم الله ‏‏!‏‏ قد والله خرج عليكم محمد ، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق لحاجته ، أفما ترون ما بكم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه ، فإذا عليه تراب ، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا بِبُرْد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون ‏‏:‏‏ والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده ‏‏.‏‏ فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش ، فقالوا ‏‏:‏‏ والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا ‏‏.‏‏

 ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم ، وما كانوا أجمعوا له ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ يمكر بك الذين كفروا لِيُثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقول الله ‏عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ‏‏.‏‏ قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ المنون ‏‏:‏‏ الموت ‏‏.‏‏ وريب المنون ‏‏:‏‏ ما يريب ويعرض منها ‏‏.‏‏ قال أبو ذؤيب الهذلي ‏‏:‏‏

أمن المنون وريبها تتوجَّع * والدهر ليس بمعتب من يجزع

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة ‏‏.‏‏

أبو بكر يطمع في مصاحبة النبي في الهجرة ، و ما أعد لذلك

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال ، فكان حين استأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لا تعجل ، لعل الله يجد لك صاحبا ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما يعني نفسه ، حين قال له ذلك ، فابتاع راحلتين ، فاحتبسهما في داره ، يعلفهما إعدادا لذلك ‏‏.‏‏

 حديث الهجرة إلى المدينة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني من لا أتهم ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت ‏‏:‏‏ كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار ، إما بكرة ، وإما عشية ، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، والخروج من مكة من بين ظهري قومه ، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة ، في ساعة كان لا يأتي فيها ‏‏.‏‏

قالت ‏‏:‏‏ فلما رآه أبوبكر ، قال ‏‏:‏‏ ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث ‏‏.‏‏

قالت ‏‏:‏‏ فلما دخل ، تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أخرج عني من عندك ؛ فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إنما هما ابنتاي ، وما ذاك ‏‏؟‏‏ فداك أبي وأمي ‏‏!‏‏ فقال ‏‏:‏‏ إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ الصحبة يا رسول الله ؛ قال ‏‏:‏‏ الصحبة ‏‏.‏‏

قالت ‏‏:‏‏ فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح ، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ، ثم قال ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا ‏‏.‏‏

فاستأجرا عبدالله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر ، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانتا عنده يرعاهم لميعادهما ‏‏.‏‏

 من علم بأمر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، حين خرج ، إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر ‏‏.‏‏

أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه ، وأمره أن يتخلف بعده بمكة ، حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع ، التي كانت عنده للناس ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده ، لما يُعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

 قصة الرسول صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر في الغار

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج ، أتى أبا بكر بن أبي قحافة ، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ، ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة - فدخلاه ، وأمر أبو بكر ابنه عبدالله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر ؛ وأمر عامر بن فُهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ، ثم يُريحها عليهما ، يأتيهما إذا أمسى في الغار ‏‏.‏‏ وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يُصلحهما ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم ، أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال ‏‏:‏‏ انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلمس الغار ، لينظر أفيه سبع أو حية ، يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ‏‏.‏‏

 من قام بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر ، وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة ، لمن يرده عليهم ‏‏.‏‏ وكان عبدالله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم ، يسمع ما يأتمرون به ، وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر ‏‏.‏‏

وكان عامر بن فهيرة ، مولى أبي بكر رضي الله عنه ، يرعى في رُعْيان أهل مكة ، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر ، فاحتلبا وذبحا ، فإذا عبدالله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة ، اتبع عامر ‏ بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفِّي عليه ، حتى إذا مضت الثلاث ، وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيرَيْهما وبعير له ، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهما ، ونسيت أن تجعل لها عصاما ، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة ، فإذا ليس لها عصام ، فتحلّ نطاقها فتجعله عصاما ، ثم علقتها به ‏‏.‏‏

 

سبب تسمية أسماء بذات النطاق

فكان يقال لاسماء بنت أبي بكر ‏‏:‏‏ ذات النطاق ، لذلك ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ‏‏:‏‏ ذات النطاقين ‏‏.‏‏ وتفسيره ‏‏:‏‏ أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين ، فعلقت السفرة بواحد ، وانتطقت بالآخر ‏‏.‏‏

 

أبو بكر يقدم راحلة للرسول صلى الله عليه و سلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما قرب أبو بكر ، رضي الله عنه ، الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قدم له أفضلهما ، ثم قال ‏‏:‏‏ اركب ، فداك أبي وأمي ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إني لا أركب بعيرا ليس لي ؛ قال ‏‏:‏‏ فهي لك يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ؛ قال ‏‏:‏‏ لا ، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ كذا وكذا ؛ قال ‏‏:‏‏ قد أخذتها به ؛ قال ‏‏:‏‏ هي لك يا رسول الله ‏‏.‏‏ فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولاه خلفه ، ليخدمهما في الطريق ‏‏.‏‏

 

أبو جهل يضرب أسماء

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحُدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت ‏‏:‏‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ، أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر ، فخرجت إليهم ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ أين أبوك يا بنت أبي بكر ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ لا أدري والله أين أبي ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فرفع أبو جهل يده ، وكان فاحشا خبيثا ، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ‏‏.‏‏

 

خبر الهاتف من الجني الذي تغنى بمقدمه صلى الله عليه وسلم

قالت ‏‏:‏‏ ثم انصرفوا ‏‏.‏‏ فمكثنا ثلاث ليال ‏‏.‏‏ وما ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإن الناس ليتبعونه ، يسمعون صوته وما يرونه ، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول ‏‏:‏‏

جزى الله ربُّ الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتَيْ أم معبدِ

هما نزلا بالبر ثم تروَّحا * فأفلح من أمسى رفيق محمد

ليهنِ بنو كعب مكانُ فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد

 

نسب أم معبد

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أم معبد بنت كعب ، امرأة من بني كعب ، من خزاعة ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏(‏‏ حلا خيمتي ‏‏)‏‏ و ‏‏(‏‏ هما نزلا بالبر ثم تروحا ‏‏)‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ‏‏:‏‏ فلما سمعنا قوله ، عرفنا حيث وَجْه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن وجهه إلى المدينة وكانوا أربعة ‏‏:‏‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، وعبدالله بن أرقط دليلهما ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ عبدالله بن أُرَيْقط ‏‏.‏‏